تفسير الأحلام شعودة ودجل والغيب لله وحدهخلال الأحلام تتم عملية معالجة للقضايا التي تشغلنا بطرق رمزية ومجازية كما يفعل المبدعون وهي عملية موازية للمعالجة المنطقية والموضوعية لهذه القضايا التي نقوم بها في وعينا. تحليل رموز الحلم يمكنه أن يكشف لنا عن مكنونات النفس البعيدة عن الوعي. إعادة صياغة الحلم أو معالجة رموزه بواسطة الرسم أو الخيال إنما يحدث تغييرا حقيقيا في النفس والجسد والسلوك الاجتماعي.
يجب أن ندرك بأن حياة الإنسان تجري بشكل متوازٍ في مسارين أحدهما واعٍ يخضع في الأساس للتفكير المنطقي والموضوعي الخاص بالنصف الأيسر للدماغ، والثاني غير واعٍ ويخضع في الأساس للتفكير الرمزي والمجازي الخاص بالنصف الأيمن للدماغ. هذا المساران ليسا منفصلين بل يتمم كل منها الآخر ويختلط ويتفاعل معه مكوّنا تجربتنا الإنسانية الكاملة: النفسية والجسدية والاجتماعية.
يعتقد الكثيرون بأن الأحلام تتضمن أحيانا رسائل من عالم الغيب أو أنها تنبئ بما سيأتي مستقبلا ومن أخذ تفسير الأحلام موقعا هاما في نشاط الشعوذة والتبصير والمنتشر في جميع المجتمعات.
العلاقة مع عالم الغيب:
يجب أن نميز هنا بين عالم المجهول وبين عالم الغيب (الجنة وجهنم والجن وغيرها) الذي يدعي البعض معرفته ويجرؤ على وصفه بدقة للناس. نعم في حياتنا الكثير من المجهول وغير المفهوم في مجال الطبيعة والفلك والطب وغيرها. من بين هذه الظواهر التي ما زلنا لا نفقه كنهها تماما، ظاهرة الأحلام التي هي ظاهرة مركبة تتضمن أحداثا غريبة يصعب تفسيرها ومضامين ليست من عالم الواقع تثير في كثير من الأحيان مشاعر عميقة كالحزن أو الفزع أو الفرح، لذلك يسهل نسبها إلى عالم الغيب المتعلق بالأرواح والشياطين والظواهر فوق الطبيعية.
ظاهرة الإبداع هي أيضا ظاهرة مركبة يصعب فهمها ومع هذا ننسبها للمبدع ولا ننسبها لعالم الغيب. يبدو أن معظم الناس لا يصدقون بأن دماغنا يستطيع القيام بعملية إبداعية أثناء النوم كما يستطيع أثناء اليقظة. ولو أن الناس أدركوا هذه الحقيقة وأدركوا أن قيود الواقع والمنطق تسقط أثناء الحلم، لما نسبوا الحلم إلى عالم الغيب كما لم ينسبوا لوحات دالي وبيكاسو أو الإبداع الشعري والمسرحي والسينمائي إلى ذلك العالم.
إن ظهور شخص متوفَّى في الحلم أو ظهور شخصيات ورموز دينية ليست دليلا على ارتباط الأحلام بعالم الغيب أو دليلا بأن الحلم يحمل رسائل من عالم الغيب. مثلما نفكر خلال يقظتنا بشخصيات فقدناها أو بشخصيات ورموز دينية، وباستطاعتنا أيضا إبداع عمل فني يتضمن هذا الشخصيات، فبإمكان دماغنا أثناء النوم، وقد تحرر من قيود المنطق والممنوعات، أن يبدع أحلاما فيها هذه الشخصيات والرموز. لنأخذ مثلا جدارية "الحكم الأخير" لمايكل أنجلو والتي ظهر فيها العديد من القديسين وكان أحدهم يحمل جلده المسلوخ وفيه يظهر وجه مايكل أنجلو نفسه، أو نأخذ رسمًا ليوناردو دافنشي الذي يظهر فيها الله يمد يده ويكاد يلامس إصبع آدم. إنها تشبه الأحلام إلا أنها أعمال إبداعية قام به الرسامون في يقظتهم ولا أحد يعتبرها رسائل من عالم الغيب مثلما ينسب بعض الناس الحلم إلى عالم الغيب.
كما جاء في الأجزاء السابقة فالأحلام هي نتاج نشاط دماغي يستحضر مضامين تشغلنا وتهمنا ويظهرها بشكل رمزي ومجازي محررا من قيود المنطق والممنوعات لذلك تبدو غريبة. إذًا هي رسائل رمزية من أعماق نفوسنا وليست من عالم الغيب.
هل في الحلم ما ينبئ بالمستقبل؟
كثير من الناس يعتقدون أن في الحلم ما ينبئ بالمستقبل وعليه فيمكن لحلم أن يثير تفاؤلا أو تشاؤما من الآتي. وبالطبع ينشط كثير من المشعوذين في تفسير رموز الحلم لتنبيه الشخص الحالم من الآتي. لتأكيد هذا الارتباط بين الحلم والمستقبل يستشهد البعض بأنه حلم بشخص ما، لم يره منذ مدة، والتقى به فعلا في اليوم التالي، أو أنه حلم حلما سوداويا وفعلا حصل بعده خطب ما في حياته. هل هذه أدلة لكون الحلم ينبئ بالمستقبل؟ إذا كانت هذه أدلة فكذلك تفكيرنا الواعي يمكن أن ينبئ بالمستقبل لأنه كثيرًا ما يحدث أن نتذكر فلانا وفورا نجده أمامنا فنقول مازحين، ليتنا فكرت بمليون دولار. العلاقة بين الحلم والمستقبل هي نفس العلاقة بين الماضي والحاضر من جهة وبين المستقبل من جهة أخرى. فإذا كنا في ماضينا وحاضرنا نلتقي أناسا معينين يحتلون حيزا معينا في تفكيرنا وأيضا في أحلامنا فهناك احتمال عال لأن نلتقي بهم أيضا في المستقبل. وإذا كنا قلقين على صحة قريب لنا أو قلقين على تدهور وضعنا الاقتصادي فمن الطبيعي أن تشغل هذه المواضيع حيزا في تفكيرنا وأيضا في أحلامنا. أما حصول ما يقلقنا بالفعل فليس لأنه فكّرنا أو حلمنا به وإنما لأن احتمال حصوله كان واردا من قبل مما أشغل تفكيرنا وأحلامنا.
الناس تميل إلى تذكر الأحلام القليلة التي تحققت وتنسى الكم الهائل من الأحلام التي ظهر بها أناس معينون ولم يلتقوا بهم في اليوم التالي، أو أحلام فيها خطب ما أو فرح ما ولم تتحقق لاحقا. حصول تزامن نادر بين بعض الأحلام وبين أحداث المستقبل يبدو دليلا تافها أمام غياب هذا التزامن بين الكم الهائل من الأحلام وبين المستقبل. وعليه فليس في الحلم ما ينبئ بالمستقبل أكثر مما يمكن لحياتنا وتفكيرنا في الحاضر أن ينبئ به.
الخلاصة: الأحلام نتاج عملية نفسية وذهنية وجسدية يعالج فيها دماغنا بشكل رمزي القضايا التي تهمنا أو تقلقنا في حياتنا، وعليه فهي تتضمن مادة هامة تمكننا، بعد تحليل رموزها، من الوصول إلى فهم أعماق نفوسنا وإدراك جوانب كانت غائبة عن وعينا. إنها عملية مشابهة لمعالجة المبدعين للقضايا التي يعيشونها من خلال عمل فني كالرسم والمسرح والسينما يعالجون فيها هذه القضايا ليس بشكل مباشر بل بشكل رمزي ومجازي. هذا الشكل من المعالجة مختلف تماما عن المعالجة المنطقية والموضوعية لنفس القضايا وكلا الشكلين مكمل لبعضهما البعض وهما ضروريان للمحافظة على سلامتنا النفسية وعلى نجاعتنا في معالجة هذه القضايا.
بروفسور مروان دويري
(انتهى)